عاجل

في الذكرى الأولى لرحيل السيد.حسن.نصر.الله: ميلاد زمن المقاومة

بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني).

ليست حياة القادة العظام محصورةً في لحظة وجودهم بيننا، بل تمتد لتصبح زمنًا جديدًا يبدأ من حيث تنتهي حياتهم. هكذا كان رحيل السيد.حسن.نصر.الله: لم يكن غيابًا، بل بداية مرحلة أخرى في مسار مقاومةٍ تشكّل وعيًا، وتبني ذاكرة، وتؤسس لضمير جماعي يصعب على العدو اختراقه.

لقد جسّد نصر.الله فكرة أن المقاومة ليست بندقية تُشهر فحسب، بل هي مشروع شامل لإنسانٍ حرّ، لوطنٍ كريم، ولأمةٍ تعرف أن السيادة لا تُهدى، بل تُنتزع بفكرٍ صلب، وعزمٍ لا يلين. جعل من المقاومة مدرسة تُعلِّم الأجيال أن الكرامة تبدأ من الكلمة، وأن السلاح بلا وعي لا يصنع انتصارًا، وأن الدم بلا قضية يتحول إلى هدر.

إن الخطر اليوم لم يعد في قوة العدو العسكرية وحدها، بل في قدرته على إعادة صياغة المفاهيم: أن يُقلب الاحتلال إلى "سلام"، وأن يُختزل الحق في "تسوية"، وأن تُختزل المقاومة في "إرهاب". هنا يظهر جوهر إرث نصر.الله: مقاومةٌ تمتد إلى ساحة العقل، وتتصدى لاحتلال الذاكرة، وتحرس الوعي من التزييف.

لم يكن القائد مشروع فرد، بل مشروع أمّة. ترك خلفه منظومة فكرية، اجتماعية، وسياسية، تجعل غيابه حضورًا آخر في وجدان الناس. فالقائد الحقيقي لا يُقاس بما يترك من خطابات فقط، بل بما يغرسه في ضمائر الشعوب من قدرة على الاستمرار، وعلى تحويل المقاومة من فعل إلى ثقافة، ومن معركة إلى وعي جمعي.

في زمنٍ يهرول فيه بعض الحكام نحو التطبيع، يبيعون القيم باسم "المصالح" ويستبدلون المقاومة بالاستسلام، يقف التاريخ شاهدًا على المفارقة: هناك من يساوم على كرامة وطنه، وهناك من يودّع الحياة شهيدًا دون أن يساوم. والجيل الجديد، بين هذين النموذجين، يختار مستقبله.

الذكرى الأولى لرحيله ليست محطة للحزن، بل منارة تذكّر بأن المواجهة مستمرة. فالمشروع الصهيوني لا يتوقف، وخطره الأكبر اليوم هو قتل المعنى في نفوس الأجيال، وجعلهم غرباء عن فلسطين وقضيتها. والوفاء الحقيقي لنصر الله لا يكون بالدموع، بل بأن نواصل معركته على جبهات الوعي، الإعلام، السياسة، والثقافة، جنبًا إلى جنب مع السلاح.

لقد رحل السيد، لكن الفكرة التي زرعها باقية: مقاومة لا تُباع في أسواق السياسة، ولا تُشترى بمكاسب عابرة. مقاومة تُبنى في العقول كما في الخنادق، وفي المدارس كما في ساحات القتال.

إن ميلاد زمن المقاومة يبدأ من هنا، من هذا الوعي الجديد بأن الغياب لا يطفئ الحضور، بل يجعله أوسع مدى، وأعمق أثرًا.

رحم الله السيد.حسن.نصر.الله، الذي جعل من رحيله بابًا يُفتح على عصرٍ لا ينتهي من الكرامة والحرية.



للمشاركة:


Ahmed Radhi
Ahmed Radhi
أحمد رضي - كاتب صحفي وإعلامي مستقل، مملكة البحرين. * مراسل إعلامي سابق لقناة المنار الفضائية، ومتعاون مع العديد من المحطات الإعلامية. * مدون إلكتروني ناشط، وله كتابات سياسية واجتماعية وفكرية منشورة بالصحافة المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية. * ناشط حقوقي للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان وكشف الانتهاكات النظام الحقوقية. * عضو بجماعة ١٩ الإعلامية المهتمة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير وقضايا الإعلاميين. * عضو سابق بمرصد البحرين لحقوق الإنسان، وعضو بمنظّمة فرونت لاين ديفندرز (مراسلون بلا حدود). * عضو بلجنة دعم الصحفيين. * تعرض إلى الاعتقال ثلاث مرات عام 1995 آبان الانتفاضة الشعبية، وعام 2012 و2014 بسبب نشاطه الإعلامي، وتم منعه من السفر لخارج البحرين عدة مرات، وحالياً يمارس نشاطه الإعلامي في ظل ظروف صعبة وغير آمنة.



للإشتراك في النشرة البريدية 📩