خاطرة:
الحُسَين… من كربلاء إلى يوم الظهور
١٠ محرم ١٤٤٧
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
[القصص: 5]
ليست كربلاء ذكرى، بل مرآةٌ نواجه بها ذواتنا. مرآةٌ صافية، قاسية، تعرّينا كما نحن، لا كما نحب أن نُرى، بل كما نكون حين يُختبر جوهرنا. هنا، تقاس الأرواح، ويُوزن الإنسان لا بصرخاته، بل بمدى انحيازه للمبدأ حين يكون الحق وحيدًا.
كربلاء الحقيقية ليست الأرض التي احمرّ ترابها، بل ساحة القلب حيث تحتدم المعركة الأشدّ. هنا تبدأ عاشوراء؛ في كل لحظة تصمت فيها عن الظلم، في كل تأجيل لقول الحق، في كل خذلان صغير تبرّره لنفسك… هنا، يُقتل الحسين من جديد.
كربلاء ليست ذكرى، بل زمنٌ قائم. حين يكتب المقهورون قصائدهم على جدران السجون، وحين يواجه الطفل دبابة بحجر، وحين تودع أمّ أبنها المسافر.
الحسين ليس إمامًا مظلومًا وحسب…
إنه سفينة النجاة.
من لحق بها نجا، ومن تخلّف هوى.
لذا، لا حياد في كربلاء:
كل من رفع راية الحياد، صار شاهد زور ولو لم يرفع سيفًا.
ليبكِ الحسين فينا كل ما مات من إنسانيتنا: خذلاننا، صمتنا، لامبالاتنا. العزاء ليس دمعة تطفئ ألمًا، بل نارًا تُشعل صحوة، الشجاعة، المحبة، الكرامة… كل ما ضحى من أجله الحسين، يجب أن يبعث فينا.
كل من نجا من المعركة، بقي في أخرى: معركة الاختيار. هل تكون العباس أم عمر بن سعد؟ تتقدّم أم تتراجع؟ تُنكر أم تشهد؟ كل لحظة تُعيد طرح هذا السؤال الأبديّ. الخذلان لا يبدأ من ساحات الوغى… بل من تبرير التراجع في دواخلنا. الخيانة تبدأ حين نقبل أن نعيش بلا معنى: نأكل ونصمت، نُرى ولا نُبصر، نمرّ على المذبحة وتقول: لست معنيًا.
حين قال إمام الزمان في دعاء الندبة: «لأندبنك صباحًا ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دمًا» لم يكن ذلك مبالغة وجدانية… بل إعلانٌ وجوديّ بأن الحسين ليس حدثًا يُبكى عليه مرة، بل جرحًا مفتوحًا في قلب الزمان، لا يندمل لأن الظلم لم يُهزم بعد، ولأن الحق ما زال يُصلب كل يوم. هي دموعٌ لا تُسكب، بل تُسفك: من عين الوعي، من ذاكرة المبدأ، من صدق الانتظار. ندبةٌ تُبقي الحسينيين يقظين صباحًا ومساءً، كي لا ينام فيهم الضمير، ولا يستأنسوا بالخذلان.
ليس الحسين قصةً في كتاب… بل سطور في كتاب الوجود. تلك النقطة التي نقيس بها معنى أن تكون إنسانًا. في زمنٍ يضيع فيه الحقّ وتعلو فيه رايات الباطل، يعود الحسين قريبًا...
لا كذكرى، بل كوعدٍ إلهي بنصرة المستضعفين.. في يوم الظهور.
.
.
.
#كربلاء #عاشوراء #الحسين #محرم #البحرين #العراق