عاجل

عاشوراء البحرين.. رسائل لمن يهمه الأمر

 بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني)


بينما تتفاخر الدول بتنوعها الثقافي والديني، لا تزال البحرين تتعامل مع موسم عاشوراء كملف أمني أو عبء تنظيمي، لا كفرصة وطنية لبناء الثقة وتكريس الشراكة المجتمعية. عاشوراء، التي يحييها البحرينيون بإخلاص عميق، ليست مجرد طقس ديني؛ بل هي ركيزة أساسية للهوية الروحية والثقافية للبلاد، خاصة لدى الطائفة الشيعية التي أسهمت في صياغة وجدان البحرين الحضاري. ورغم إدراك السلطات لأهمية هذه المناسبة، يظل الدعم الحكومي محدودًا، ما يستوجب مراجعة جادة للسياسات.

وهذه رسائل صريحة لمن يهمه الأمر، دفاعًا عن القيم والمجتمع وحرية التعبير عن العقيدة بكرامة.

·        دعم المآتم: نحو شراكة مؤسساتية

تُقدم الحكومة دعمًا عينيًا محدودًا للمآتم، وهي لفتة كريمة. لكن هذا لا يلبي حجم الاحتياج الحقيقي، ما لم يُترجم إلى شراكة مؤسساتية تحترم عمل هذه المؤسسات. يجب أن يشمل ذلك ضمان التمويل، وتسهيل التراخيص، وتوفير الحماية، وتقديم التسهيلات اللوجستية اللازمة.

·        الشعائر الدينية ليست ملفًا أمنيًا

شهدنا تدخلات أمنية غير مبررة خلال موسم عاشوراء، مثل الاستدعاءات، أو تأخير الرخص، أو منع دخول الخطباء والرواديد، وحتى استخدام القوة. هذه الممارسات تمس قدسية الشعائر وتتعارض مع الحرية الدينية المكفولة دستوريًا. الأمن مسؤولية الدولة، لكن لا يجب أن يتحول إلى أداة لتقييد الحريات. ما نحتاجه هو أمنٌ ينبثق من الشراكة المجتمعية، لا أمنٌ يُفرَض بالقوة فيُنتج الاحتقان ويهدم الثقة.

·        تجريم خطاب الكراهية والطائفية ضرورة وطنية

من اللافت أن تُراقَب الشعائر الحسينية بدقة، بينما تُترك منصات الكراهية تبث خطابًا تحريضيًا طائفيًا دون رادع، رغم خطورته على السلم الأهلي. إن تجريم خطاب الكراهية أصبح ضرورة وطنية تنسجم مع التزامات البحرين الحقوقية، كما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 20).

·        الإعلام الرسمي: غياب غير مبرر

تكاد وسائل الإعلام الرسمية في البحرين تغيب عن تغطية موسم محرم، رغم أنه يُغطّى من قنوات دولية كحدث عالمي. كيف نُقنع الداخل والخارج باحترام عقائد الناس، بينما يُقصي الإعلام المحلي واحدة من أكبر المناسبات الشعبية؟ إن السماح بتغطية إعلامية نزيهة لا يخدم المذهب فحسب، بل يخدم وحدة البحرين وصورتها الحضارية.

·        عاشوراء: مدرسة وطنية للخدمة والتكافل

عاشوراء ليست مجرد طقس ديني، بل موسم تتجلى فيه أعلى قيم التضامن والوعي والمواطنة. تقدم هذه المناسبة نموذجًا حيًا للتطوع والعمل الاجتماعي: من توزيع آلاف الوجبات، إلى تنظيم حملات التبرع بالدم، وعقد مجالس التوعية. إنها مدرسة سنوية في الأخلاق والمشاركة المجتمعية، تُرسّخ في وجدان الناس محبة آل البيت النبوي ومعاني الحب والعطاء والانتماء.

·        من الطقوس إلى الضمير الوطني: مطالب شعبية

عاشوراء ليست طقسًا محليًا، بل ضميرًا حيًا يعيد إحياء قيم الحرية، والعدل، والولاء لله والوطن. ما يحتاجه البحرينيون اليوم هو:

1.  احترام حرية العقيدة.

2.  وقف التدخلات الأمنية غير المبررة.

3.  تجريم خطاب الكراهية.

4.  تمكين المآتم كمؤسسات مجتمعية.

5.  فتح الإعلام لتغطية عادلة ونزيهة.

هذا ما يستحقه شعب أثبت في كل موسم عاشوراء أنه أهل للكرامة، والوعي، والولاء للوطن.

·        الشراكة الوطنية مسؤولية الجميع

الشراكة الوطنية لا تقتصر على العلاقة الثنائية بين السلطة والطائفة الشيعية. إن المجتمع الأهلي بكل مكوناته من مؤسسات دينية، ونخب ثقافية، وجمعيات مدنية، مدعو اليوم لتحمل مسؤوليته في ترسيخ ثقافة التعدد والانفتاح والاحترام المتبادل. دعم عاشوراء ليس شأنًا طائفيًا، بل هو موقف أخلاقي من الحرية الدينية، وقيمة حضارية تعكس نضج الدولة والمجتمع معًا. المطلوب ليس فقط أن تتوقف الأجهزة عن التضييق، بل أن يتحول الاعتراف إلى وعي وطني مشترك، تُسهم فيه جميع القوى الحية، من أجل وطن يتسع لجميع أبنائه.

 

للمشاركة:


Ahmed Radhi
Ahmed Radhi
أحمد رضي - كاتب صحفي وإعلامي مستقل، مملكة البحرين. * مراسل إعلامي سابق لقناة المنار الفضائية، ومتعاون مع العديد من المحطات الإعلامية. * مدون إلكتروني ناشط، وله كتابات سياسية واجتماعية وفكرية منشورة بالصحافة المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية. * ناشط حقوقي للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان وكشف الانتهاكات النظام الحقوقية. * عضو بجماعة ١٩ الإعلامية المهتمة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير وقضايا الإعلاميين. * عضو سابق بمرصد البحرين لحقوق الإنسان، وعضو بمنظّمة فرونت لاين ديفندرز (مراسلون بلا حدود). * عضو بلجنة دعم الصحفيين. * تعرض إلى الاعتقال ثلاث مرات عام 1995 آبان الانتفاضة الشعبية، وعام 2012 و2014 بسبب نشاطه الإعلامي، وتم منعه من السفر لخارج البحرين عدة مرات، وحالياً يمارس نشاطه الإعلامي في ظل ظروف صعبة وغير آمنة.



للإشتراك في النشرة البريدية 📩