بقلم- أحمد رضي (كاتب بحريني):
بينما يُفترض أن يكون التقاعد مرحلة راحة واستقرار، يعاني آلاف المتقاعدين في البحرين الإهمال وضغوط المعيشة. سنواتٌ من العمل انتهت بمعاشٍ لا يغطي الأساسيات، فيما الأسعار ترتفع والخدمات تتراجع.
بحسب الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي (2024)، يبلغ عدد المتقاعدين نحو 84 ألف متقاعد منهم 36 ألف في القطاع العام و 48 ألف في القطاع الخاص، ويتقاضى الكثير منهم أقلّ من 400 دينار شهريًّا، أي دون خطّ الفقر المقدَّر بـ 550 دينار.
وتتمثّل التحديات اليومية للمتقاعدين في دوّامة ضاغطة تبدأ بارتفاعٍ مطّرد في الأسعار، يتزامن مع نقصٍ واضح في برامج الرعاية الصحية الخاصة بالمسنّين. كما يفتقر المتقاعدون إلى دعمٍ سكنيٍّ وإعفاءاتٍ مستدامة تخفّف عنهم أعباء الإيجار والخدمات الأساسية، ما يدفع كثيرين إلى الاعتماد على الدَّيْن أو مساعدة الأسرة لتغطية النفقات المتزايدة؛ إذ إن الزيادات المحدودة في المعاشات لم تعد تواكب التضخم الفعلي، فتتآكل قوتهم الشرائية يوماً بعد يوم.
في الوقت الذي تُغدِق فيه دولٌ خليجيّة شقيقة على متقاعديها بمزايا ومكافآتٍ سنوية تصون شيخوختهم، يقف متقاعدو البحرين في الصفّ ذاته، مطالبين لا بمنّةٍ ولا بإحسان، بل بحقوقٍ كسبوها بعرق السنين؛ لا زالت معلّقة على عتبة القرار، تنتظر التفاتة تُعيد إليهم مكانةً تليق بتاريخهم وخدمتهم الجليلة للوطن وتؤكّد أنّ الكرامة حقٌّ لا يقبل التأجيل.
لقد آن الأوان لاتخاذ خطواتٍ جادّة لمعالجة أوضاع المتقاعدين في البحرين؛ إذ ينبغي أوّلًا إجراء مراجعة شاملة لكلّ سياسات التقاعد القائمة، تقيس عدالتها وفاعليتها في ضوء التحديات الاقتصادية الراهنة. ويتعيّن كذلك ربط المعاشات بمعدّل التضخم لضمان حفاظها على قوتها الشرائية وعدم تآكلها مع مرور الوقت. وبموازاة ذلك، لا بدّ من تأسيس صندوق دعم موجَّه إلى المتقاعدين ذوي الدخل المحدود، يقدّم لهم مساعداتٍ ماليةً وخدماتٍ اجتماعيةً تضمن الحدّ الأدنى من العيش الكريم. وأخيرًا، يظلّ توفير تأمين صحي شامل، وبرامج إسكان لائقة، حجر الزاوية في أي إصلاح حقيقي يستهدف ردّ الاعتبار لهذه الفئة التي أفنت سنواتها في خدمة الوطن.
إنّ ما يعيشه المتقاعدون في البحرين ليس مجرد أزمة معيشية، بل امتحان أخلاقي لضمير الدولة والمجتمع. فهؤلاء الذين أنشأوا عوائل كريمة وبنوا الوطن بعرق جبينهم، لا ينبغي أن يُتركوا اليوم يصارعون صعوبة المعيشة بصمتٍ مُهين. إنّ صمت الجهات المعنية، وتلكؤ السياسات، لا يعني إلا شيئًا واحدًا: تقويض لحق الإنسان في العيش بكرامة بعد عطائه.
ختاما: لا تُقاس الأمم بقوة اقتصادها ولا بحداثة عمرانها، بل بمدى وفائها لأهلها وصونها لحقوق مَن خدموها حين يشتدّ بهم العمر، والمتقاعدون—مرآة عدالة الدولة—يُبرزون حاجة ملحّة لإصلاحاتٍ تحفظ أمنهم ورعايتهم. فالكرامة لا تتوقّف عند عتبة التقاعد؛ هي حقٌّ يستمر ما بقي الإنسان حيًّا، وشاهدٌ على صدق التزام الدولة بكرامة أبنائها.
#حقوق_المتقاعدين
#البحرين
#كرامة_المواطن
#العدالة_الاجتماعية