بقلم- أحمد رضي (البحرين):
كنت درعك الحامي وعينك التي تسبق الخطر، ولكن من يحرسني اليوم من الفراغ بعدك؟ من يزرع الطمأنينة في قلبي؟ رحلتَ، لكن آثارك لم ترحل، وصوتك ما زال يصدح في أعماقي، كأنك لم تفارقني أبدًا.
أحاول أن أقف صامدًا على عتبة الفراق، أخفي رعشة يدي بقناع من التصبّر، لكن قلبي يفضحني. ليتني كنت بجانبك لحظة الوداع، أسمع كلماتك الأخيرة.. الفقد ليس أن ترحل، بل أن يتيه المرء بعدك. كنت أترقب خطابك يوم عاشوراء، واليوم كل الأصوات من حولي صدى باهت لذكريات الماضي.
أنا الذي لم أترك موقعًا، ولم أفرّ من ميدان. أقف الآن أمام جسدك الطاهر، أحبس دموعي. أقاوم الفراغ بدعاء الحزين مع أهل الثغور. سيدي أستمدُّ من حضورك الغائب صلابةً تكفيني لأحمل هذا الوجع وحدي. لأن الظلّ، مهما تلاشى، لا ينسى صاحبه.
وها هو البحر البشري يمتد بلا نهاية، أشرف الناس يشيّعون من كان لهم الأب والقائد والمُلهم. سأحرس نعشك بجسدي، وسأفديك بروحي.. لأنك لم تمت، ولن تموت.. وأنت شهيد على طريق القدس.
وفي لحظة توقف الزمن، أمرر يدي على التابوت، أبحث عن دفء يديك. كنتُ أود أن أنزع هذا الحزن المتلاطم عن صدري، لكن هذه مشيئة الله. سامحني.. لم أتمالك نفسي، حتى جثوت على ركبتي، أسند رأسي على التابوت، أبحث عن كلماتك الأخيرة، تلك التي لم يسمعها أحد.. ثم احتضنك كوداع أخير.
سيدي… لن أبرح هذا المكان. كما كنتُ ظلك في الحياة، سأكون ظلك في الخلود. سأحرس جثمانك كما حميتك حيًّا، وسأقف عند مقامك كما كنت أقف خلفك في الميادين. لن يُنقص الفراق من يقيني، ولن يُبدّد الغيابُ عهدي معك.
هنا، سأكون حاضرًا. أخدم كل زائرٍ يحجُّ إليك، كل عاشقٍ يتلمسُ خطاك، كل عينٍ تدمع لفقدك، وكل قلبٍ ينبض باسمك. فأنتم الوعد الصادق، والراية التي لا تنحني، والسيف الذي لا يُغمد، والصوت الذي لا يسكت عن الحق.
سيدي الأمين، كنت قائدًا للأمة، ولم يكن سلاحك إلا درعًا للمظلومين. نحن على العهد، نحمل رسالتك، ونواصل مسيرتك، مؤمنين بأن الدم الذي روى هذه الأرض سيزهر نصرًا.
سيدي، أقسم أن الراية لن تسقط، والوعد لن يُخلف.. هذه الأرض تحفظ دمك، ونحن نصون أمانتك بحق اليتامى والجرحى والشهداء.. وبحق كل حر وشريف.. لن ينكسر الوعد، ولن تضيع الأمانة، ما دامت الأرواح تهتف: "هيهات منا الذلة."
و(لبيك يا نصر الله).