بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني)
في ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج)، يتجدد الحديث عن فكرة العدالة والخلاص من الظلم، وهي ليست مجرد قضية دينية، بل تطلع إنساني مشترك. فالتاريخ يزخر بمحطات واجهت فيها الشعوب أنظمة الاستبداد والهيمنة، وسعت إلى تغيير مصيرها رغم التحديات الكبرى.
تشهد منطقتنا تحولات كبرى، من فلسطين التي تواجه الاحتلال، إلى اليمن الذي يعاني من الحصار والحرب، ومن العراق وسوريا حيث تصاعدت الصراعات، إلى لبنان الذي يواجه أزمات سياسية واقتصادية خانقة. هذه التحولات ليست مجرد تغيرات سياسية أو عسكرية، بل تشمل أيضًا وعيًا جماهيريًا متزايدًا بأهمية التحرر والعدالة.
في هذا السياق، يبرز دور إيران كقوة إقليمية، حيث تبنت منذ ثورتها الإسلامية عام 1979 سياسة دعم حركات التحرر، مما جعلها في صراع مباشر مع القوى الغربية والإقليمية المناوئة لها. ومع ذلك، فإن تأثيرها يظل موضع نقاش، بين من يراها قوة داعمة للاستقلال، ومن يعتبر أن سياساتها تؤدي إلى تعقيد المشهد في المنطقة.
لكن التحولات لا تتوقف عند الشرق الأوسط، فالصعود المتزايد لقوى مثل الصين وروسيا يسهم في إعادة تشكيل النظام العالمي. تراجع الهيمنة المطلقة للغرب، مع بروز نظام عالمي متعدد الأقطاب، قد يعيد رسم خريطة التحالفات والتوازنات، ويترك أثره على معادلات الصراع في المنطقة.
من جهة أخرى، تتنامى المقاومة الشعبية ضد الاستبداد والتبعية في العالم العربي ومناطق أخرى. هذه المقاومة لم تعد تقتصر على المواجهات العسكرية، بل تمتد إلى المجالات الاقتصادية والإعلامية، حيث تلعب وسائل الإعلام البديلة دورًا محوريًا في كسر هيمنة السرديات التقليدية وتقديم رؤى مغايرة.
التاريخ يؤكد أن الهيمنة ليست أبدية، فقد شهدنا انهيار قوى استعمارية بدت راسخة، من الجزائر إلى جنوب إفريقيا، حين تمكنت الشعوب من فرض إرادتها. واليوم، تبدو المنطقة أمام تحولات مشابهة، وإن كانت أكثر تعقيدًا بسبب تداخل المصالح الدولية.
ومع كل هذه التغيرات، تبقى التحديات كبيرة. فالصراعات الإقليمية، والحروب بالوكالة، والتدخلات الخارجية، تزيد من تعقيد المشهد. ومع ذلك، فإن فكرة التحرر والعدالة ليست حكرًا على شعب أو دين معين، بل هي تطلع إنساني مشترك. وما نشهده اليوم قد يكون بداية لتغيير أكبر، لكنه يحتاج إلى حكمة ورؤية استراتيجية لضمان أن يكون التغيير في مصلحة الشعوب، وليس مجرد إعادة توزيع للقوى والنفوذ.
"إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا...".