عاجل

من مقال سابق: يا غاية آمال العارفين

 من مقال سابق:

يا غاية آمال العارفين
خواطر من وحي الألم الإنساني
بقلم: أحمد رضي (كاتب بحريني)
يحيرني مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من بين كل عظماء البشرية.. حياته قصة ألم وعذاب من أجل الحبيب الأوحد.. كان الدعاء لسان حاله.. عجز أصحابه المقربين عن فهم معدن حكمته وكشف أسراره.. كان يعيش وحدة الغرباء في هذه الأرض، يحمل شعور السجين بين الأحياء.. يبث حزنه وهمه لأحبابه بعد أن فارقه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. وحزن أكثر بعد وفاة زوجته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وهو القائل: فَقْدُ الاْحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
كان عليه السلام يخرج وحده ليلاً.. يناجي ربه ويدعوه متضرعاً.. ماذا يقول روحي فداه.. هل سجلت السماء حديثه.. وهل تفقه النجوم كنه صمته وتأمله وهو يدرك سر العالم الأكبر.. وهل أنصت ورق الشجر لأنينه.. وهل يفقه الحجر والتراب والماء أنين فؤداه الحزين؟ وبماذا أبلغ القرآن الناطق ليوصل رسالته لأوصيائه وآخر سلالته الشريفة.. كيف لقلب يحمل علم الأولين والآخرين أن يعيش هذه الغربة والوحدة القاتلة؟ كيف لقلب موحد أن لا يتألم وهو يطلب رضا ربه والفوز برضوانه ولقائه بدار السلام.
أتساءل كيف يتحمل القلب والعقل ما يستبصره من علوم ومعارف وأنباء المستقبل؟! كان يعلم بمقتل أولاده واستشهادهم بين مسموم وقتيل وسجين.. كان يعلم أن آخرهم سيغيب طويلاً، وما أدراك ألم الغياب وفقد الحبيب ووحشة الطريق.. ألمُ عظيم بحجم اتساع الكون وامتداد التاريخ البشري وسعة القلب الإنساني.
كان قلب الإمام علي روحي فداه منبع للحنان والرحمة والعاطفة الإنسانية.. كان يتألم لجوع الأيتام ويخرج ليلا يتفقد أحوال الفقراء.. يلاعب الصغار الذين فقدوا آبائهم في الحروب.. يساعد إحداهن على تجهيز الطعام.. يتذكر نار الآخرة وهو بالدنيا تقيا ورعا نقيا.. يتكلم بلسان الغرباء وخطبة المتقين وفصاحة نهج البلاغة.
ينظر للسماء ويتأمل النجوم.. لعله يستقرأ المستقبل ويستبصر أحوال الأمم القادمة.. ولعله يعرف بأنه سيستشهد في بيت الله كما ولد في بيت الله.. لعله يعلم بأن ولده الإمام الحسن عليه السلام سوف يستشهد مسموماً.. وأبنه سيد الشهداء الإمام الحسين يستشهد قتيلا عطشانا جائعا مظلوماً في ساحة كربلاء، ويبكيه أبنه علي السجاد بكاء الفاقدين.. ولعله يعلم أن ابنته السيدة زينب سوف تسبى كأسيرة من بلد إلى بلد مع أهل بيتها.. لعله يعلم بأن جميع الأئمة الاثنا عشر من صلبه قضوا شهداء لله بكرامة وعزة، وسيخلد شيعتهم ذكرهم بحسينيات ومآتم خالدة حتى يومنا هذا.. وستتم مطاردة شيعته ومحاربة محبيه بالقتل والتعذيب والتصفية بشتى الوسائل طوال سنوات وقرون.. ولعله يعلم أن آخر أبناءه غائب وينتظر الظهور حسب وصايا الأولين والآخرين.
أو لعله يحزن ويتألم في محيط وجوده المفتقر بذاته لكمال خالقه وغاية وجوده.. هل هو حيّ أم ميت حين يفوته جمال معرفة ربه ونفسه بعمره القصير، أم يحزن حزن النبي يعقوب ويفقد بصره حين غاب ولده النبي يوسف عليهما السلام.. وهو مولى الموحدين الحزين العاشق لبعده عن سيده وفراق حبيبه حين يناجيه يا ربي.. يا غاية آمال العارفين. ويبث بعض أحزانه بلسان الدعاء لمريديه كميل بن زياد وأبي حمزة الثمالي. وحتى لحظة ضربه بالسيف على رأسه وهو ساجد لله يصلي، أنفصل عن ذاته بلحظات الألم وقال كلماته المشهورة: فزت ورب الكعبة.. فكيف لا يتألم المحب الموالي لصاحب هذا القلب الإنساني العظيم ويبكيّه حباً ودماً.. يحتار الفكر لعظمة أمير المؤمنين عليه السلام ..السلام عليك يا سيدي ومولاي.

* النص الكامل للمقال منشور بموقع مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة:

للمشاركة:


Ahmed Radhi
Ahmed Radhi
أحمد رضي - كاتب صحفي وإعلامي مستقل، مملكة البحرين. * مراسل إعلامي سابق لقناة المنار الفضائية، ومتعاون مع العديد من المحطات الإعلامية. * مدون إلكتروني ناشط، وله كتابات سياسية واجتماعية وفكرية منشورة بالصحافة المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية. * ناشط حقوقي للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان وكشف الانتهاكات النظام الحقوقية. * عضو بجماعة ١٩ الإعلامية المهتمة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير وقضايا الإعلاميين. * عضو سابق بمرصد البحرين لحقوق الإنسان، وعضو بمنظّمة فرونت لاين ديفندرز (مراسلون بلا حدود). * عضو بلجنة دعم الصحفيين. * تعرض إلى الاعتقال ثلاث مرات عام 1995 آبان الانتفاضة الشعبية، وعام 2012 و2014 بسبب نشاطه الإعلامي، وتم منعه من السفر لخارج البحرين عدة مرات، وحالياً يمارس نشاطه الإعلامي في ظل ظروف صعبة وغير آمنة.



للإشتراك في النشرة البريدية 📩