بقلم- أحمد رضي (كاتب بحريني):
@ahmeddi99
خطاب المنبر الحسيني في البحرين له مكانته التاريخية وحضوره في الوجدان الشعبي، ولكننا شهدنا بالسنوات الأخيرة تراجع بأداء المنبر الحسيني ومحتواه المعرفي بشكل لا يرقى لطموح الناس وهمومهم اليومية، ولا يقدم إجابات وافية لأسئلة هامة تتعلق بالإنسان والمجتمع والكون، بحال إذا اعتبرنا أن الهدف الرئيسي للمنبر الحسيني هو تقديم صورة حضارية وإنسانية مشرقة لمدرسة التشيع، وبث القيم الأخلاقية ومبادئ الإسلام كالعدل والحرية والسلام التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام بثورته المباركة.
أصبح الشباب في البحرين أكثر اطلاعاً وثقافة وأكثر إلحاحاً بطرح أسئلة وشبهات بحكم تطور لغة العصر وقضاياه المعاصرة، ولا يمكننا إنكار أنهم متميزون بالتدين والانفتاح الفكري والرغبة بالمعرفة والنقاش الهادف مع من يحترم عقولهم ويجيب على أسئلتهم وشبهاتهم.. هؤلاء الشباب لديهم أسئلة وهموم وينتظرون من رجل المنبر الحسيني أن يفتح صدره ويوسع آفاق فكره لاستيعابهم ومناقشتهم ومحاورتهم بدل التسفيه بآرائهم وجعلهم أقرب للخروج من المذهب والملة بخطاب سلفي مقيت جداً، وهذا يمثل تحدي لتطوير أداء المؤسسات التربوية والدينية، ودافع لإعادة النظر بمؤهلات خطيب المنبر الحسيني.
وبرأيي المتواضع.. المنبر الحسيني في البحرين يعاني من تراجع نسبي بسبب ضعف مستوى بعض الخطباء وكثرة ذكر الأحاديث الضعيفة التي تهين أهل البيت عليهم السلام ورموز الثورة الحسينية.. ولهذا لا بد من مراجعة أداء الخطباء وتقييمهم وضرورة إلتزامهم بمعايير البحث الموضوعي والابتعاد عن القصص الأسطورية والأحاديث المنسوبة زورا وكذبا للسيرة الحسينية. واذا استمر مستوى المنبر الحسيني بهذا المستوى من الهبوط والضعف المعرفي.. فلا عجب أن نشهد ظواهر غلو ديني وتطرف مذهبي واقصاء للآراء المتنوعة التي تستوعبها مدرسة التشيع والحوزات العلمية ويضيق عنها صدر بعض خطباء المنبر للآسف.
ولطالما تمنيت من خطباءنا المحترمين لو يتعلمون من تجربة الشيخ أحمد الوائلي والمرجع السيد محمد حسين فضل الله رحمهم الله، ممن انفتح على قضايا الأمة ومشاكل الشباب وقدم طرحا فكريا وعاطفيا متوازنا. وهم ممن خدم المنبر الحسيني ومدرسة التشيع بصورة معاصرة ورحبة جدا جعلت الشباب تتعلق بخطابهم وأكثر تمسكا بالدين.. ولكل هذه الأسباب أود ذكر تجربة خاصة لعلها تكون مفيدة للجميع، وتفتح باب الحوار لمناقشة أحوالنا وقضايانا بصورة موضوعية رحبة.
تجربة خاصة:
ومع انتهاء موسم عاشوراء في البحرين لعام ٢٠١٨م طافت في عقلي أسئلة لا بد منها لتقييم الفعاليات الدينية المتعلقة بالشعائر الحسينية ومدى تأثيرها في الوجدان الشعبي وتحقيقها للأهداف المرجوة ومنها:
١- ما هي حصيلة شهر محرم روحيا وعقليا؟
٢ -ما مدى التأثير الحقيقي للشعائر الحسينية على المستوى الفردي والاجتماعي؟
٣- هل حقق المنبر الحسيني أهدافه وشعاراته وفق حاجات الناس؟
٤- هل أجاد الخطباء عرض الثورة الحسينية بصورة واقعية تقارب مشاكل الإنسان المعاصر، ودون إغفال دور المأساة والعاطفة؟
وقد قمت بتجربة خاصة بزيارة لمآتم محددة في منطقة السنابس وأبو صيبع بالإضافة لزيارة العاصمة المنامة، وكانت تجربة دينية وفكرية مفيدة عرفتني بملامح خطابين مختلفين في المنبر الحسيني.. وهدفي هو الاستفادة من أصوات وأفكار جديدة في قراءة الواقع وتفسير وتحليل الثورة الحسينية بصورة معاصرة، ومعرفة مدى تلبيتها لحاجات المجتمع العقلية والعاطفية، بالإضافة لتعزيز العلاقات الاجتماعية خارج القرية مع أصدقاء طال غيابهم. وبالتالي فالتقييم والنقد بمقالي هنا يهدف إلى فتح الباب لتطوير موسم عاشوراء البحرين وتحسين فعالية المجالس الحسينية والارتقاء بأداء الخطيب وتحديد نقاط الضعف والقوة بشكل موضوعي ومناقشتها علنا.
المحطة الأولى.. زرت أحد المآتم الحسينية في منطقة أبو صيبع، وتعرفت عن قرب على خطيب حسيني متميز وهو الشيخ هاني البناء، وكنت قد استمعت له مسبقاً عبر مقاطع فيديو باليوتيوب، وأرى أن أغلب عناوين محاضراته مفيدة فقهياً وذات بعد اجتماعي وأخلاقي قريب من هموم الناس وأسئلتهم اليومية. وهو يملك حس ظرافة اجتماعية تجعله قريب من مشاعر الناس وقلوبهم. وكان موضوع (الحرب الناعمة.. مفهومها وتطبيقاتها) من أبرز المواضيع المفيدة التي طرحها على المنبر وجمعت بين المعرفة ولغة الواقع المعاصر، كما تميز البناء بتخصيص ليلة خاصة للإجابة على أسئلة الجمهور.
ولكن ما يؤسف له هو قيام النظام الحاكم باعتقاله ومنعه من إكمال الخطابة بعشرة محرم الأولى، فقد قامت السلطة باستدعاء العديد من الخطباء ورجال الدين وإيقاف بعضهم بدون مبررات مقبولة. وما يثير استغرابي هو السكوت المريب لجهات دينية وسياسية معارضة اتجاه اعتقال الخطباء والعلماء والتضييق على الحريات الدينية. فالتحرك لم يكن بالمستوى المطلوب، والناس تترقب موقف وكلمة مسئولة وقت الأزمات الصعبة والتعبير عن هموم ومخاوف وآمال الشعب بكل طوائفه ورموزه المحترمين.
المحطة الثانية.. هي زيارتي لأحد مآتم منطقة السنابس، واستمعت لأحد المجالس الحسينية بالسنابس لخطيب حسيني يحضر مجلسه أغلبية شبابية.. ولكني أعتبرها تجربة ضعيفة من الجانب المعرفي، بالرغم من تميز الخطيب بالنعي الحسيني. كما أنه لم يوفق للآسف باختيار مواضيع تمس هموم الناس ومشاكلهم الأخلاقية والاجتماعية، وكانت لغة خطابه انفعالية ومتشنجة تضيق المسافة بينه وبين جمهور المستمعين. وأرى أن مستوى الطرح العلمي للخطيب تراجع بالسنوات الأخيرة وبات أقرب للجدل والإثارة والصدام مع المدارس الفكرية والآراء المتنوعة بالمجتمع، مع استمرار رفضه لفتح باب الأسئلة والحوار المباشر. كما أنه لا زال يذكر قصص غير مثبته تاريخياً وأحاديث ضعيفة متعلقة بالسيرة الحسينية.
المحطة الثالثة.. قمت بزيارة لمواكب العزاء بالعاصمة المنامة (ليلة تاسع محرم).. حضور جماهيري كبير وسط أجواء خانقة، عاشوراء المنامة أقرب لمهرجان شعبي أو عروض دينية ليست مبهرة ولا تثير بنفسك أجواء الخشوع والروحانية.. مع كثرة مضايف الأكل وقلة النظافة. وأكثر ما يميز عاشوراء المنامة هو الحشود الجماهيرية التي تتحدى القيود الأمنية على الحريات الدينية ومواكب العزاء المتعددة ونشاط المآتم الحسينية والمرسم الحسيني الذي يعد علامة فارقة في عاشوراء البحرين.
النقطة الأخيرة.. أود الإشارة إلى حملات التبرع بالدم وهي ظاهرة صحية وإنسانية ذات دلالات دينية واجتماعية إيجابية. تعودنا كل عام الذهاب لمركز النعيم الصحي للتبرع طوال سنوات، ولكن بسبب سوء التنظيم وتكدس المتبرعين وإهمال شكاوى الناس.. فضلنا الذهاب هذا العام لجمعية مدينة عيسى الخيرية الاجتماعية الذين أبهرونا بحسن التنظيم وكرم الضيافة وتعاملهم المميز، وغاية ما نتمناه هو تدارك الأمر وتصحيح الوضع إنصافاً لتاريخ الحملة وإنجازاتها الكبيرة.
ختاماً.. تبقى الإجابة على الأسئلة السابقة راجعة لتقدير القارئ والمستمع بالمجالس الحسينية، ونظرته لمدى تحقيقها لحاجات المجتمع وتطوره الحضاري والتزامه بقيم الإسلام ومبادئ الثورة الحسينية.