بقلم- أحمد رضي (كاتب بحريني):
١٦ سبتمبر ٢٠١٨
٦ محرم ١٤٤٠
وقد كثر مؤخرا الجدل حول أداء خطباء المنبر الحسيني، خصوصا ممن يبالغ بأحاديث مكذوبة ويتطرف بذكر روايات ضعيفة مسيئة جدا ويتجاهل الدعوات لتنقية الخطاب وتصحيحه وتتم الإساءة بسوء ظن لأي نقد إيجابي للأسف.
علماً بأن مشروعية النقد جائزة ولا يحق لأي كائن كان أن يدعو الناس للسكوت وغض الطرف عن مظاهر الإساءة الأخلاقية والفكرية لمدرسة عريقة وعميقة الجذور كمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وتكمن الحاجة لتطوير المنبر الحسيني كونه يعكس مبادئ وقيم وأخلاقيات مدرسة أهل البيت ويظهر أصول وعقيدة التشيع إعلاميا، وهو أمر خطير يتطلب الانتباه والاتفاق على أسس علمية لخطاب ديني معتدل وطرح فكري متوازن وفق منهج علمي معتمد من المراجع والعلماء الباحثين والمفكرين والمحققين بالسيرة الحسينية.
ووفق الرؤية الإسلامية يعتبر خطاب المنبر الحسيني مدرسة تربوية وأخلاقية وعقائدية، توظف العقل والعاطفة بما يخدم ترويج قيم ومبادئ إسلامية، وتطرح قضايا وهموم حيوية تلبي حاجة الناس للمعرفة والارتباط الروحي بقيم الإسلام وتعاليم أهل البيت الأطهار. ولذلك نحن بحاجة ماسة لإعادة النظر بخطاب المنبر الحسيني وتأهيل الخطباء وتطوير كفاءتهم العلمية، والاعتماد على منهج قراءة موضوعية لروايات السيرة الحسينية متوافق عليه من قبل العلماء والمحققين كبديل عن الروايات الضعيفة.
وللتاريخ يمكن الإشارة للدعوات الايجابية لخطباء المنبر الحسيني كالمرحوم الشيخ أحمد الوائلي والمرحوم الدكتور عبدالهادي الفضلي ودعوات السيد منير الخباز، أو الاستفادة من الأبحاث المعاصرة لكلا من فوزي آل سيف والشيخ محمد صنقور.. بالإضافة لدعوات وبيانات المراجع العظام حول النصح والإرشاد لخطباء المنبر الحسيني، وجميع الداعين لتطهير المنبر الحسيني من فكر التطرف والأسطورة والأحلام والداعين لوضع أسس علمية لمدرسة الخطابة الحسينية وتطوير مستوى الخطباء واعتماد مناهج علمية بالروايات بدل الروايات الضعيفة والأحاديث الكاذبة.
كما يمكن الإشارة لتجربة إصلاح المنبر الحسيني في البحرين فترة السبعينات عندما كلف الشيخ عيسى أحمد قاسم أخاه المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري بمشروع إصلاح المنبر الحسيني وفق أسس علمية، ولكنها تجربة لم تدم للأسف بسبب الحملة الشرسة لخطباء تقليديين على المشروع وأصحابه حينذاك.
ولكن الوضع الآن اختلف جذريا لأسباب عديدة.. وبات الجمهور البحراني مثقفاً دينياً ومتعلم ومعارض لا يقبل بسهولة أي خطاب ولديه حس النقد الذي يميز به أي خطاب ودون الاستهانة بالرأي الآخر والتشكيك في نواياه. فالناس أصبحت أكثر وعياً وثقافة، ومن حقها أن تنتقد خطباء المنبر الحسيني الذي يكون تأثيرهم اجتماعياً وفكرياً أكبر وأوسع تأثيراً. ونقد الخطيب عامل يجعله أكثر حرصاً على انتقاء كلماته واختيار أبحاثه، ولأنه ينقح خطابه ويصقله ويضعه أمام تحدي إيجابي يدفعه للرقي والتطور.
وكتفكير عملي يمكن تذكير خطباء المنبر الحسيني في البحرين بتوصيات مؤتمر عاشوراء الذي عقد بمنطقة السنابس والتي لم تر النور للأسف.
وكظاهرة إيجابية نشجع المآتم والحسينيات التي أصبحت تستوعب الجميع وتخصص مساحة للاستماع لآراء الجمهور عبر عقد مجالس استماع للناس لتقييم موسم عاشوراء وطرح أسئلتهم على خطباء المنبر وسماع انتقاداتهم علناً وعرض مقترحاتهم مباشرة لإدارة المؤسسات الدينية.
خصوصاً وأن فئة الشباب هم أكثر الفئات المتعلمة حضوراً بالمآتم.. ولديها أسئلة وانتقادات وشبهات ومن حقها أن تطرح آراءها علناً ويتم التعاطي معها بشفافية وموضوعية وهدوء والاستماع لها بتواضع واحترام. علماً بأن معظم القرى البحرانية تقوم بعمل ليلة مفتوحة وتطرح الناس أسئلتها علناً بكل شفافية.. وهي فرصة لطرح شبهات وإشكاليات مهمة تتعلق بأمور عقائدية وأخلاقية، وتعكس هموم اجتماعية وسياسية ملحة.
هي دعوة للمساهمة في إحياء الشعائر الحسينية وتطويرها بصورة إعلامية حضارية.. ومحاولة طرح قضايا المجتمع بصورة تلبي احتياجاته العقلية والروحية وتقترب من همومه اليومية.. وحتى لا يقتل الحسين مرتين.. مرة بالسيف.. والمرة الثانية بلسان خطباء المنبر حين يروون كذباً أحداث السيرة الحسينية.